في ظل تحولات دولية متسارعة ومناخ جيوسياسي متقلب، دقت الجزائر ناقوس الخطر، عبر دعوة صريحة من لجنة الشؤون القانونية والحريات في البرلمان، لاعتماد تدابير استباقية تشمل بناء ملاجئ ومنشآت للحماية المدنية، تحسبًا لأي طوارئ أو نزاعات مستقبلية قد تفرضها تقلبات الساحة العالمية.
هذه التوصيات جاءت على هامش مناقشة مشروع قانون التعبئة العامة، الذي صادقت عليه الحكومة نهاية أبريل 2025، وأحيل لاحقًا إلى البرلمان. ويتضمن القانون الجديد 69 مادة موزعة على سبعة فصول، ويستند إلى المادة 90 من الدستور، التي تمنح الدولة صلاحيات واسعة في حال إعلان التعبئة الوطنية.
مخاوف عسكرية وسيبرانية… واستنفار لوجستي شامل
اللجنة البرلمانية شددت على ضرورة تهيئة البنية التحتية في عموم البلاد، من طرق وموانئ إلى مطارات ومرافق حيوية، لتكون قابلة للتعبئة الفورية في حالات الطوارئ، سواء تعلق الأمر بتحركات عسكرية، إجلاء مدني، أو عمليات لوجستية سريعة.
كما طالبت بتوفير الوسائل اللوجستية وبناء ملاجئ محصنة، معتبرة أن تسارع الأزمات العالمية يفرض جاهزية “شاملة ومتعددة الأبعاد”، لا تقتصر على الدفاع العسكري، بل تشمل أيضًا الأمن السيبراني.
الإنترنت.. ساحة معركة جديدة
تقرير اللجنة لم يُغفل التهديدات غير التقليدية، وعلى رأسها الحرب السيبرانية، حيث دعا إلى تعزيز القدرات الرقمية للبلاد وتشجيع الباحثين المحليين على تطوير أنظمة معلومات وطنية، لمواجهة ما وصفته اللجنة بـ”اختراقات خارجية عبر منصات التواصل الاجتماعي”، التي أصبحت بحسبها “منفذًا للتجسس، التضليل والدعاية المعادية”.
حبس وتجنيد… القانون يثير الجدل
رغم الطابع الدفاعي للمشروع، إلا أن بعض بنوده أثارت موجة من الجدل، خصوصًا ما يتعلق بإمكانية إشراك المحبوسين في التعبئة العامة “عند الضرورة القصوى”، ما اعتبره حقوقيون تجاوزًا خطيرًا لمبادئ الكرامة الإنسانية.
كما يتضمن المشروع تشديدًا للعقوبات ضد من “يرفض أو يعرقل” التعبئة، تصل حد السجن، ما يثير مخاوف من إمكانية توظيف القانون لقمع المعارضة تحت غطاء الطوارئ.
جاهزية وطنية… أم قلق متصاعد؟
في مجملها، توحي هذه الخطوات بأن الجزائر تتحرك بمنطق “الاستباق والوقاية”، في محاولة لرفع منسوب الجاهزية الوطنية في زمن الأزمات المتعددة الأوجه.
وبين من يرى في المشروع حماية للسيادة الوطنية، ومن يحذر من منزلقاته الحقوقية، يظل السؤال مفتوحًا: هل تُؤسس الجزائر لمرحلة دفاعية جديدة… أم تعكس هذه الخطوات قلقًا استراتيجيًا عميقًا من المستقبل القريب؟