تكشف دراسة ميدانية حديثة أن الطريق نحو ريادة الأعمال في المغرب ما زالت مليئة بالعقبات أمام الشباب الحالمين ببناء مشاريعهم الخاصة. فبحسب المركز المغربي للشباب والتحولات الديمقراطية، بشراكة مع مؤسسة “فريديريش إبيرت” الألمانية، فإن أكثر من 61 في المئة من الشباب يمتلكون أفكاراً واضحة لمشاريع، لكنهم يجدون أنفسهم محاصرين بين جدران البيروقراطية وصعوبة الوصول إلى التمويل.
التمويل.. الحلم المؤجل
أكثر من 80 في المئة من الشباب المستجوبين يرون أن الولوج إلى التمويل هو العقبة الكبرى. فالمصارف، كما تقول الدراسة، لا تزال تشترط ضمانات تفوق قدرات الشباب، مما يجعل القروض البنكية بعيدة المنال، ويُحوّل الحلم إلى انتظار طويل. ويخلق هذا الواقع مفارقة صارخة: طاقة شبابية راغبة في الإنتاج، لكنها عاجزة عن الانطلاق.
بيروقراطية تستهلك الطموح
بعد أزمة التمويل، تأتي معضلة المساطر الإدارية التي يعتبرها 66 في المئة من الشباب “العدو الثاني” لأي مبادرة. فالحصول على التراخيص وتأسيس المقاولات يتطلب وقتاً مرهقاً وملفات معقدة، تمر بين الإدارات كرحلة شاقة تفقد الشباب حماسهم وتستنزف طاقتهم قبل أن يروا مشروعهم يولد.
شباب مبادر.. ينتظر المرافقة
الدراسة تقسم الشباب المغربي إلى ثلاث فئات:
- الفئة الريادية (20%): تمتلك مشاريع واضحة المعالم وتسير بخطى ثابتة رغم الصعوبات.
- فئة الطموحين (41%): تملك أفكاراً تحتاج إلى دعم وتكوين ومواكبة مؤسساتية.
- فئة المترددين (38%): ما زالت تفضل الاستقرار في الوظيفة العمومية على خوض مغامرة المقاولة.
ويرى معدّو الدراسة أن الفئة الثانية تمثل “المخزون الاستراتيجي” غير المستغل، وأن تمكينها من الدعم التقني والمالي قد يُحدث طفرة حقيقية في المشهد الاقتصادي.
الثقة.. الحلقة المفقودة
ورغم أن الشباب المغربي لا يرفض فكرة المبادرة، إلا أنه يشترط بيئة آمنة وشفافة تشجعه على المخاطرة. غياب الثقة في المؤسسات، وتعقيدات السوق، كلها أسباب تغذي الإحباط وتجعل الإبداع معلقاً في منطقة الانتظار.
ويرى الخبراء أن الحل يبدأ من المدرسة، عبر ترسيخ ثقافة المقاولة منذ التعليم الأساسي، حتى تصبح المغامرة خياراً طبيعياً، لا رهانا محفوفاً بالمخاطر.
جيل بين الحلم والتحفظ
تحليل الباحثين يُظهر أن الشباب المغربي ينقسم نفسياً بين ثلاث شخصيات: المغامر الذي لا يخشى الفشل، والطموح الذي يحتاج إلى دعم، والحذر الذي يخشى المجازفة. بين هؤلاء الثلاثة، تتشكل صورة جيلٍ يؤمن بقدراته، لكنه ينتظر دولةً تفتح له الأبواب بدل أن تكتفي بمراقبته من خلف المكاتب.