الرباط – كشف تقرير الموارد البشرية المرافق لمشروع قانون مالية 2026 عن أرقام لافتة تخص هيكلة الموظفين المدنيين في الدولة، حيث يتوقع أن يحال أكثر من 68 ألف موظف على التقاعد خلال الفترة الممتدة بين 2025 و2029، في واحدة من أكبر موجات الإحالة على المعاش خلال العقد الأخير.
التقرير، الذي استند إلى معطيات الصندوق المغربي للتقاعد، يسلّط الضوء على تحديات قادمة تمس قطاعات حيوية تشكل العمود الفقري للإدارة العمومية، وعلى رأسها التربية الوطنية والداخلية والصحة.
التعليم في الصدارة… والجيل الجديد على الأبواب
بحسب الوثيقة، قطاع التربية الوطنية سيعرف أكبر عدد من الإحالات على التقاعد، إذ من المنتظر أن يغادر أكثر من 26 ألف موظف مهامهم بحلول 2029، أي ما يمثل أكثر من ثلث مجموع المتقاعدين.
ويُتوقع أن يبلغ عدد المحالين على المعاش في هذا القطاع لوحده سنة 2026 حوالي 6485 موظفاً، ما يطرح أسئلة حول تعويض الكفاءات وضمان استمرارية جودة التعليم في ظل خصاص بشري متزايد.
الداخلية ثانياً… والصحة في المرتبة الثالثة
في المرتبة الثانية، يأتي قطاع الداخلية بـ 15.617 موظفاً متقاعداً مرتقباً، أي ما يعادل قرابة ربع مجموع الإحالات المنتظرة، فيما يحتل قطاع الصحة والحماية الاجتماعية المركز الثالث بـ 6064 حالة تقاعد.
هذه الأرقام تبرز بوضوح هشاشة التوازن داخل قطاعات تمس مباشرة حياة المواطنين، في وقت تتطلب فيه مرحلة ما بعد الجائحة مزيداً من الاستثمار في العنصر البشري.
التعليم العالي والعدل والمالية… تحديات التجديد في مواقع القرار
أما قطاع التعليم العالي والبحث العلمي، فسيشهد مغادرة 4938 موظفاً خلال الفترة نفسها، أي نحو 18.6% من مجموع العاملين في القطاع، وهي نسبة مرتفعة تُظهر حجم الحاجة إلى تجديد النخب الأكاديمية والإدارية.
وزارة العدل ستودّع حوالي 2196 موظفاً، مقابل 1975 موظفاً في قطاع الاقتصاد والمالية، فيما ستشهد باقي القطاعات مجتمعة 11.453 إحالة على التقاعد، ما يعادل 16.8% من الإجمالي العام.
النساء في قلب الوظيفة العمومية
التقرير خصّص حيزاً هاماً لتمثيلية النساء في الوظيفة العمومية، كاشفاً أن نحو 88.6% من مجموع النساء الموظفات يتمركزن في ستة قطاعات فقط: التربية الوطنية، الصحة، الداخلية، العدل، التعليم العالي، والمالية.
وتستأثر القطاعات ذات البعد الاجتماعي بالنصيب الأكبر، إذ تضم 71.1% من النساء العاملات في القطاع العام.
ففي وزارة الصحة مثلاً، تبلغ نسبة النساء 67.2% من إجمالي الموظفين، وهي الأعلى على الإطلاق، تليها وزارة العدل بـ 50.7%، ثم التربية الوطنية بنسبة 41.3%، والمالية بـ 41.2%، والتعليم العالي بـ 37.6%.
إدارة مغربية على عتبة التحول الديموغرافي
تؤشر هذه الأرقام إلى تحول ديموغرافي عميق داخل الإدارة المغربية، حيث تقترب فئات واسعة من سن التقاعد، ما يفرض على الحكومة تسريع برامج الإحلال والتكوين، واستقطاب كفاءات شابة قادرة على مواصلة خدمة المرفق العمومي بكفاءة وتجديد.
وراء هذه الإحصاءات، يقف سؤال أكبر:
هل سيستطيع المغرب تحويل موجة التقاعد القادمة من تحدٍ هيكلي إلى فرصة لإعادة بناء الإدارة على أسس أكثر كفاءة وإنصافاً وتمثيلية؟