رغم أن المغرب يُعدّ موطنًا للشاي الأخضر الذي يحتل مكانة خاصة في الحياة اليومية، إلا أن مشهد المقاهي اليوم يكشف عن تحوّل واضح: القهوة باتت تزاحم الشاي في المجالس والبيوت. فخلف كل فنجان تُسكب حكاية عن تغير الذوق المغربي، وعن جيل جديد يربط القهوة بالحداثة والسرعة والإبداع.
سوق في حالة غليان
تشهد تجارة البن في المغرب نموًا غير مسبوق. عام 2024 وحده، استوردت المملكة أكثر من 58 ألف طن من القهوة، بقيمة 2.27 مليار درهم، مقارنة بـ 1.41 مليار درهم في 2023 — قفزة تعكس شهية وطنية متزايدة لهذا المشروب الأسود.
ورغم أن 75% من الاستهلاك ما يزال “روبوستا” بطعمه القوي، فإن نكهة “العربيكا” الفاخرة بدأت تغزو المدن الكبرى والمقاهي العصرية.
من فيتنام إلى فيلاج مارينا
القهوة التي يحتسيها المغاربة اليوم تقطع رحلة طويلة: من مزارع فيتنام وأوغندا وإثيوبيا والبرازيل إلى المقاهي الفاخرة في الدار البيضاء ومراكش وطنجة.
وتقوم إيطاليا وإسبانيا بدور “بوابة النكهات”، حيث تعيد تصدير القهوة المحمصة إلى السوق المغربي في عبوات أنيقة تخاطب الذوق العصري.
المقاهي الجديدة.. مختبر الطبقة الوسطى
سلاسل المقاهي الراقية والمستقلة تنتشر بسرعة، خصوصًا في المدن الساحلية.
الشباب الحضريون باتوا يفضّلون الكبسولات والقهوة السريعة كرمز للحياة العملية.
أما في المنازل، فما تزال القهوة المطحونة والقابلة للذوبان تتصدر المشهد، مع ارتفاع الطلب في الفنادق والمطاعم الفاخرة التي تسوّق تجربة القهوة كجزء من الضيافة المغربية الحديثة.
اقتصاد القهوة.. مليارات في الفناجين
في عام 2022، أنفقت الأسر المغربية نحو 13 مليار درهم على القهوة عبر البيع بالتجزئة، ما جعل المملكة من أكبر أسواق المنطقة.
المحمصون المحليون أصبحوا لاعبين أساسيين، يطورون الخلطات لضمان جودة النكهة ومطابقة الذوق المحلي، وسط مراقبة دقيقة وتحاليل مختبرية صارمة.
فنجان القهوة.. مرآة الحداثة المغربية
لم يعد فنجان القهوة مجرّد عادة يومية، بل أصبح رمزًا لتحولات اجتماعية واقتصادية عميقة.
هو فنجان يحمل نكهة العولمة، ويعكس صعود الطبقة الوسطى الجديدة التي ترى في القهوة طقسًا للانفتاح، والذوق، والتجربة.
في المغرب اليوم، القهوة ليست مشروبًا فقط… إنها أسلوب حياة.