ليسوا ضيوف ندوة… بل أطراف في ملف فساد أكاديمي
أستاذ جامعي، سياسي، قاضٍ، زوجته المحامية، ابنه المحامي المتمرن، منتخبون، رجال قضاء… ليست لائحة مدعوين لمنتدى فكري، بل أسماء وردت في واحد من أثقل الملفات القضائية التي انفجرت داخل أسوار التعليم العالي المغربي، بعدما تحوّل “الماستر” إلى سلعة تُباع وتُشترى، بلا امتحانات، ولا بحوث، ولا حتى حضور.
ماستر على المقاس: شواهد للبيع ونفوذ للترويج
من داخل جامعة عمومية بأكادير، خرجت شواهد أكاديمية ليست نتاج جهد علمي، بل محصلة صفقات مشبوهة تُبرم في الظل، تمنح شواهد “مُفصلة” على مقاس أصحاب النفوذ.
مبلغ مالي في الحساب، وشهادة تفتح الأبواب الموصدة: للتوظيف، للترقي، أو لولوج مناصب تمثيلية. لا حاجة للجد ولا للعلم. فقط حساب بنكي نشط واتصالات في المكان المناسب.
الأستاذ المتهم: من حارس للمعرفة إلى سمسار شهادات
المتهم الرئيسي: أستاذ جامعي، يُفترض أن يكون حارسًا للمعرفة ومؤتمنا على أخلاقيات المهنة، لكنه “وفق التحقيقات” استغل موقعه الأكاديمي لبيع ما لا يُباع:
شواهد الماستر. لكنه لم يكن وحده في هذا السيناريو المظلم. إلى جانبه، زوجته المحامية، شخصيات من الجهاز القضائي، ومحامون، بل وحتى أبناء لمسؤولين نافذين… شبكة معقدة نسجت خيوطها من المدرجات إلى مكاتب السلطة.
الفرقة الوطنية تدخل على الخط: الملف أمام قاضي جرائم الأموال
الفرقة الوطنية للشرطة القضائية دخلت على الخط، وفتحت تحقيقًا امتد لأشهر. الآن، الملف أمام أنظار قاضي التحقيق المكلف بجرائم الأموال بمحكمة مراكش. التهم ثقيلة: التزوير، الرشوة، استغلال النفوذ، التلاعب بآليات الانتقاء الأكاديمي، وتبديد الثقة في مؤسسة من المفروض أن تكون منارات للعلم لا مرتعًا للفساد.
شهادات مستعملة: من حصل؟ ومن وظّف؟ ومن ترشّح؟
ليست الخطورة في منح الشهادات المزيفة فقط، بل في استعمالها لاحقًا. تساؤلات حارقة تُطرح اليوم: كم من مسؤول حصل على منصبه بشهادة لا تستحق؟ كم من قرار قضائي أو إداري تم اتخاذه من طرف شخص لم يمر من قاعات المحاضرات، بل من دهاليز النفوذ والمال؟ هل هذه حالة معزولة؟ أم أننا أمام نموذج مكرر في جامعات أخرى… بصيغ مختلفة؟
فساد أكاديمي ممنهج: عندما تُشترى النخبة
التحليلات الأولية تشير بوضوح إلى أن ما جرى ليس حادثًا عرضيًا، بل صورة واضحة لمنظومة تُعاني من تصدع أخلاقي وهيكلي. نحن أمام “فساد أكاديمي صامت” يتغذى من غياب الرقابة، وتواطؤ النفوذ، وحصانة بعض الأسماء.
إذا لم نتطهر اليوم… فغدًا ستنهار المؤسسات
الأخطر ليس فقط بيع الشهادات، بل تطبيع الظاهرة. أن نصل إلى لحظة يُصبح فيها شراء الماستر أمرًا “عاديا”، وتفصيل الدكتوراه “خدمة مأجورة”، وحجز الوظائف “امتيازًا للنخبة”. وقتها لن تكون لنا جامعات، بل مصانع لصك الشهادات، ولن تكون لنا مؤسسات، بل مسارح لتمثيليات الكفاءة.
القضاء يحقق… والجامعة تنزف
صحيح أن القضاء لم يقل كلمته الأخيرة، والتحقيقات ما زالت جارية، وقد تظهر مفاجآت تبرئ أو تُدين. لكن المؤكد أن ما حدث، حتى في حدوده الأولية، جرح أخلاقي غائر في جسد الجامعة المغربية. وإذا لم نواجهه بجدية، فسنجد أنفسنا أمام مستقبل بلا كفاءة، ومؤسسات بلا شرعية، وجامعات بلا روح.