في ظل تصاعد مؤشرات العزوف السياسي والاجتماعي، كشف تقرير وطني حديث صادر عن جمعية “المواطنون“ حجم الفجوة بين الشباب المغربي ومؤسساته الرسمية، مبرزًا أزمة ثقة عميقة قد تُهدد مستقبل المشاركة الديمقراطية بالمملكة.
%70 من الشباب لا يثقون بالمؤسسات المنتخبة
تحت عنوان “كيف يرى الشباب الالتزام المواطن؟“، أشار التقرير إلى أن أكثر من 70% من الشباب المستجوبين عبّروا عن فقدان الثقة في المنتخبين والمؤسسات العمومية، فيما اعتبر 48% فقط أن آليات المشاركة الحالية فعالة، ما يُترجم إلى انسحاب تدريجي من الفضاء العمومي بدل المواجهة أو الاحتجاج المباشر.
“مقاهي المواطن”.. مرآة للواقع الميداني
استند التقرير إلى جولة استماع ميدانية شملت 49 لقاء تواصليًا عبر جهات المملكة، تحت لواء مبادرة “مقاهي المواطن”، وشارك فيها أزيد من 1100 شابة وشاب يمثلون مختلف المشارب والفئات.
وقد رصدت هذه اللقاءات خمسة محاور كبرى تبرز الفجوة بين تطلعات الشباب وأدوات المشاركة المتاحة، وتكشف أن العزوف لا يعني غياب الوعي، بل غياب الثقة والفاعلية.
الشباب يفضّل “العمل الجمعوي”… ويصنع التغيير من خارج المؤسسات
رغم انسحابهم من القنوات الرسمية، أبدى الشباب رغبة واضحة في خدمة الصالح العام بطرق بديلة:
- 72% يفضلون العمل الجمعوي كوسيلة للتغيير
- 64% سبق لهم الترويج لقضايا سياسية أو اجتماعية عبر الإنترنت
هذه الأرقام تؤكد أن الالتزام لا يزال حاضرًا، لكن أدواته تغيّرت.
منصات رسمية “غائبة”… وشباب ينتظر التفاعل
يشير التقرير إلى أن غياب الدولة عن الفضاء الرقمي حيث ينشط 68% من الشباب، يُكرّس الانفصال المؤسساتي، في حين تبقى منصات الشكاوى والتشاور الرسمي غير فعالة أو معقدة.
فقط 36% من المشاركين قالوا إن مساهماتهم لقيت تجاوبًا من المسؤولين، ما يعزز الإحساس بعدم الجدوى و”اللامبالاة الرسمية”.
المبادرات الشبابية… طاقات مهدورة بسبب غياب الدعم
رصد التقرير عشرات المبادرات الشبابية في مختلف المدن والقرى: حملات نظافة، ورشات للأطفال، محتوى مدني على يوتيوب والبودكاست… لكنها تظل مبادرات من دون اعتراف أو دعم مؤسسي، مما يؤدي إلى تهميشها وزيادة الإحباط لدى أصحابها.
تكوين… لا وعود
67% من الشباب أكدوا حاجتهم إلى تكوين عملي ومواكبة حقيقية لتنفيذ مشاريعهم المواطِنة.
وهو ما يكشف خللًا في السياسات العمومية التي تُركز على الخطاب دون أدوات التنفيذ.
المواطنة بين المدينة والقرية… فجوة مزدوجة
يشدد التقرير على التفاوت الكبير في فرص المشاركة بين شباب المدن وشباب العالم القروي، حيث تُسجَّل مستويات أعلى من التهميش، ما يخلق مواطنتين غير متكافئتين في بلد واحد.
توصيات: إصلاح حقيقي للعلاقة بين الدولة والشباب
خَلُص التقرير إلى أن الشباب المغربي لا يرفض المشاركة في الحياة العامة، بل يطالب بإعادة صياغة العلاقة مع المؤسسات عبر:
- تبسيط المساطر الإدارية
- فتح قنوات تواصل مباشرة وفعالة
- تعزيز حضور الدولة في الفضاء الرقمي
- إدماج التربية على المواطنة الفاعلة في التعليم
- الاعتراف والدعم المادي والمعنوي للمبادرات الشبابية
شباب اليوم ليسوا ضد السياسة… بل ضد الفراغ، والوعود غير المنجزة.
فهل تتفاعل المؤسسات مع هذا الإنذار قبل أن يفوت الأوان؟