تشهد المملكة المغربية تحولات ديمغرافية عميقة، تفتح أبوابًا واسعة نحو إقلاع اقتصادي واجتماعي جديد، لكنها تضع في المقابل صناع القرار أمام تحديات دقيقة تفرض استجابات سريعة، مبتكرة، وذات بعد استراتيجي.
شباب في عزّ العطاء.. والنافذة مفتوحة حتى 2030
أكد محمد الفاسي الفهري، رئيس مركز الدراسات والبحوث الديمغرافية، أن المغرب يعيش اليوم ما يُعرف بـ”الفرصة الديمغرافية”، حيث تمثل الفئة العمرية ما بين 15 و60 سنة غالبية السكان، وهي الفئة القادرة على الإنتاج والعطاء.
ومن المرتقب أن تستمر هذه التركيبة الإيجابية إلى حدود سنة 2030، ما يمنح البلاد فرصة نادرة لتعزيز النمو وتحقيق التوازن الاجتماعي.
لكن… النمو السكاني يتباطأ والخصوبة تنخفض
رغم هذا المعطى الإيجابي، فإن المغرب يسير بخطى متسارعة نحو نمط ديمغرافي شبيه بدول الشمال، يتميز بانخفاض معدلات الخصوبة، وتباطؤ النمو السكاني، وارتفاع متوسط العمر.
فقد انخفض معدل الخصوبة من 7.2 طفل لكل امرأة سنة 1960 إلى أقل من طفلين اليوم (1.97)، وهو دون عتبة تجديد الأجيال (2.1).
تأخر الزواج وانتشار وسائل منع الحمل يغير المعادلة
هذا التراجع في الخصوبة لا يأتي من فراغ؛ بل هو نتاج تحولات اجتماعية عميقة، من بينها ارتفاع سن الزواج من 17 إلى 25 سنة، وتزايد استخدام وسائل منع الحمل من 8% إلى 71%.
كما ساهم تحسن صحة الأطفال، وارتفاع مستوى تعليم النساء، وتغير القيم الأسرية في إعادة تشكيل الخيارات الإنجابية للأسر المغربية.
تقلص الأطفال وارتفاع كبار السن.. معادلة جديدة تُربك السياسات
تشير التوقعات إلى تراجع نسبة الأطفال دون سن 15 سنة من 26% سنة 2024 إلى 21% في 2030، مقابل ارتفاع نسبة من هم فوق سن الستين من 13% إلى 15%.
هذا التحول العمري يفرض تحديات كبرى على منظومات التعليم، الصحة، والتقاعد، ويُلزم الدولة بتعديل سياساتها لتتلاءم مع مغرب جديد تتغير تركيبته السكانية بسرعة.
الفلوس تتحكم فعدد الوليدات!
تقرير حديث لصندوق الأمم المتحدة للسكان سلط الضوء على جانب آخر من المشهد، حيث كشف أن 33% من المغاربة فوق سن الخمسين صرّحوا بأنهم أنجبوا أقل من عدد الأطفال الذين كانوا يتمنون، بسبب العوامل المالية بالدرجة الأولى، بنسبة 47%.
وهو ما يطرح بحدة سؤال القدرة الشرائية وأثرها على مستقبل النسيج السكاني.
المطلوب: استثمار في الإنسان.. وليس فقط في الأرقام
خلال ندوة نُظمت بالرباط بمناسبة اليوم العالمي للسكان، بدعوة من المندوبية السامية للتخطيط وصندوق الأمم المتحدة للسكان، شدد الفاسي الفهري على أن تحويل هذه “الفرصة الديمغرافية” إلى مكسب تنموي حقيقي، يمر عبر الاستثمار في التعليم، الصحة، والشغل. فبدون ذلك، ستتحول الفرصة إلى عبء إضافي على الدولة والمجتمع.